سمع رؤساء المدينة كلام القديس مار أوكين وقال
له " إن كان هذا هو عملكم، قوموا وادخلوا معنا
المدينة واسكنوا في وسطنا لأن بيننا كثيرون محتاجون
إلى أفعالكم " فقال لهم القديس " اتركونا اليوم يا
أحبائي لأنه يوم الرب يوم الأحد ولا نستطيع أن
نقضيه في الدخول إلى المدينة، بل إن كان الله يريد غدًا
نحن نأتي إليكم ". وفي تلك الليلة ترك القديس المكان
وتلاميذه معه وصعد إلى جبل " درلا " شرقي المدينة،
هناك وجدوا مغارة على رأس الجبل سكنوا فيها لمدة
ثلاثين سنة موا ظبين على الأعمال الروحانية وتنفيذ
الوصايا الإلهية، وسمع كثيرون من مختلف البلاد
واشتموا رائحة المسيح الزكية فيهم، فأتوا وسكنوا
معهم، خاضعين كلهم لتدبير القديس أوكين وكثر
عددهم حتى صار ثلاثمائة وخمسون رج ً لا متفقين بمحبة
إلهية بغير غش أو رياء وكل واحد منهم يح رص ويجتهد
على أن يظهر حسن سيرته وفضيلة تدبيره وكانوا لا
يفترون عن غسل أيدي وأرجل الغرباء الذين يأتون
إليهم وسر السيد المسيح بأعمالهم وتدبيرهم فأعطاهم
قوة لشفاء المرضى وإخراج الشياطين وكل الأ عمال
الحسنة باسمه.
ومن بعد ذلك الزمان أظهر الله للقديس مار أوكين
ملاكًا قائمًا أمامه قائ ً لا له " شد وسطك مثل الجبار،
وبشر هنا ببشارة الملكوت لأن الله قد سمع صلواتك
وتضرعاتك أمامه من اجلهم، قم بإعلان أنت
وإخوتك اليوم وأظهروا أنفسكم لكل الناس ولا تخافوا
من الذين يقتلون الجسد وليس لهم القدرة أن يقتلو ا
النفس أيضًا " فبعد ذلك نزل القديس والإخوة معه
وتلمذوا وعلموا في المدن والقرى وكل الضياع،
وأجرى الله على أيديهم عجائب كثيرة.
كان تلاميذ القديس أوكين يشترون جرارًا ويملأوا
ماء ثم يضعون هذه الجرار في مفا رق الطرق ليشربوا
منها كل المسافرين والمارين، كانوا يفعلون ذلك بكل
همة ونشاط مواظبين على ملء هذه الجرار لينيحوا
الغرباء والذين يأتون إليهم، فكان هذا عملهم
وتدبيرهم.
في أحد الأيام مضى أحد تلاميذ القديس أوكين
ليملأ جرته من النهر، هناك صادف إنسانًا وقع حمل
القمح منه على الطريق وكان قد تركوه رفقاءه
ومضوا، فبقى الرجل منتظرًا قدوم من يجيء ويرفع معه
هذا الحمل، وإذا تلميذ القديس قادم، فلما أبصره
الرجل سأله قائ ً لا " أعني وساعدني على وسق حملي "
فتقدم إليه التلميذ ورفعا الحمل معًا وكان ذلك الحمل
خمسة عشر قفيزًا ( ١)، لا يقدر خمسة رجال أن
يوسقوه، فلما رأى الرجل ذلك تعجب جدًا من
التلميذ وكيف رفعا معًا الوسق دون الاستعانة برجال
آخرين.
دخل الرجل المدينة، فعنفه سيده قائ ً لا له " لأي
سبب انقطعت من رفقتك " فحدث ذلك الرجل سيده
ما حدث وكيف وجد ذلك الرجل الصالح وبقوة
صلاته رفع الوسق بلا تعب، فسبحا الله وكانت
عجائب كثيرة تجرى على يدي تلاميذ القديس اوكين